الأمن الغذائي - دولي

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2023-08-19
صدمات متتالية: الأمن الغذائي العالمي في مواجهة المتغيرات الدولية

أظهرت الأبحاث والدراسات أن التدخلات التجارية خلال أزمة الغذاء العالمية عام 2008 قد ساهمت في زيادة أسعار السلع الغذائية العالمية بنحو 13%، لترتفع أسعار الأرز والقمح وحدهما بحوالي 45% و30% على الترتيب. وأدت تلك الأسعار المرتفعة -حينذاك- إلى معاناة ما لا يقل عن 100 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، مما ترتب عليه عواقب سياسية ملحوظة، حيث أثار تضخم الغذاء وتراجع القوة الشرائية للنقود المظاهرات وأعمال الشغب وغيرها من الاضطرابات السياسية في حوالي 48 دولة خلال عامي 2007 و2008. ومع قيام الحرب الروسية-الأوكرانية فبراير 2022، بدأت الدول في تقييد التجارة الحرة للسلع الغذائية، حيث سجل عدد الدول التي فرضت قيودًا على تصدير المواد الغذائية زيادة تبلغ حوالي 25% ليصل إجمالي عددها إلى 35 دولة، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي.



يُنظر إلى انعدام الأمن الغذائي كأحد أهم العوامل المُهددة للاستقرار العالمي نظرًا لتداخله مع جملة من القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية. وخلال الشهور القليلة الماضية تعرضت قدرة الدول على تأمين الغذاء لشعوبها لهزات متتالية فاقمت من حدة تأثير الأزمة على الاقتصاد العالمي.
توالت الأزمات التي هددت استقرار الأمن الغذائي العالمي خلال الشهور القليلة الماضية، بداية من انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب وشنها هجومًا على ميناء أوديسا، مرورًا بإعلان الحكومة الهندية والإماراتية والروسية حظر صادرات الأرز، وذلك بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة المؤثرة سلبًا على الإنتاج الزراعي، وهو ما يُمكن توضيحه على النحو الآتي:

• تعليق اتفاقية الحبوب: قررت روسيا في منتصف يوليو الماضي تعليق مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود بسبب عدم وصول شحنات الحبوب بشكل مناسب لدول العالم الثالث، مع استمرار وجود مجموعة من العقبات أمام صادرات الحبوب الروسية، وهو ما اعتبرته موسكو خرقًا للاتفاقية التي تم الاتفاق عليها في يوليو 2022 بهدف استئناف تصدير الحبوب والأسمدة المتضررة جراء الحرب الأوكرانية، كإجراء حيوي مدعوم أمميًا لضمان تدفق الإمدادات الغذائية إلى الأسواق العالمية.

ولا تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تنسحب فيها موسكو من الاتفاقية؛ إذ قررت أواخر شهر أكتوبر 2022 تعليق مشاركتها في الاتفاقية، ردًا على سلسلة من الهجمات الأوكرانية على سفن روسية في خليج سيفاستوبول المُطل على شبه جزيرة القرم، قبل أن تعلن لاحقًا استئناف مشاركتها في الاتفاق، كما أنها هددت في العديد من المناسبات منذ بداية العام الجاري 2023 بالانسحاب من الاتفاق، إلا أنها وافقت عقب ذلك في مايو على تمديده لمدة شهرين حتى السابع عشر من يوليو.

• تصاعد القومية الغذائية: ترتبط الأزمات الاقتصادية العالمية عادةً بظهور ما يُعرف بـ”الحمائية الغذائية” أو “القومية الغذائية”، حيث تؤثر تلك الأزمات على إنتاج المحاصيل الزراعية وعلى مستويات أسعارها، مما يحفز الحكومات المختلفة حول العالم إلى الانغلاق على ذاتها، وإعطاء الأولوية لشعوبها دون أخذ انعكاسات تلك القرارات على انعدام الأمن الغذائي العالمي –الذي يتفاقم بطبيعة الحال خلال تلك الأوقات- في الاعتبار، حيث أظهرت الأبحاث والدراسات أن التدخلات التجارية خلال أزمة الغذاء العالمية عام 2008 قد ساهمت في زيادة أسعار السلع الغذائية العالمية بنحو 13%، لترتفع أسعار الأرز والقمح وحدهما بحوالي 45% و30% على الترتيب. وأدت تلك الأسعار المرتفعة -حينذاك- إلى معاناة ما لا يقل عن 100 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، مما ترتب عليه عواقب سياسية ملحوظة، حيث أثار تضخم الغذاء وتراجع القوة الشرائية للنقود المظاهرات وأعمال الشغب وغيرها من الاضطرابات السياسية في حوالي 48 دولة خلال عامي 2007 و2008. ومع قيام الحرب الروسية-الأوكرانية فبراير 2022، بدأت الدول في تقييد التجارة الحرة للسلع الغذائية، حيث سجل عدد الدول التي فرضت قيودًا على تصدير المواد الغذائية زيادة تبلغ حوالي 25% ليصل إجمالي عددها إلى 35 دولة، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي.

وكانت الهند والإمارات وروسيا أبرز ثلاث دول اتخذت خطوات حمائية تجاه تصدير الأرز؛ إذ قررت الأولى حظر تصديره بمفعول فوري بعدما منعت تصديره في سبتمبر 2022 بعد معاناة المناطق الرئيسية المنتجة للأرز من الجفاف، فيما قررت الثانية وقف تصدير وإعادة تصدير الأرز بشكل مؤقت إلى خارج الدولة لمدة أربعة أشهر، واتخذت الحكومة الروسية نفس القرار بحظر التصدير حتى نهاية العام الجاري.

• التقلبات المناخية: سجل متوسط درجات الحرارة العالمية خلال شهر يونيو الماضي مستوى قياسيًا، وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” أن عصر “الاحترار العالمي” قد انتهى، وقد حان عصر “الغليان العالمي”، وهو ما قد يتسبب بحدوث آثار ضارة وخطيرة على إنتاج المحاصيل الزراعية، كما يؤثر الاحترار العالمي على توافر المياه اللازمة للزراعة حيث يُمكن أن يؤدي الجفاف إلى حدوث ندرة في المياه ببعض المناطق المنتجة للمحاصيل. إلى جانب ذلك، من الممكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتغير الظروف المناخية إلى انتشار الآفات والأمراض التي تؤثر على المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك، كما يؤثر تغير المناخ على عملية تخزين الأغذية ونقلها بعد الحصاد؛ إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة إلى زيادة مخاطر تلف المحاصيل.

وتقدر إحدى الدراسات أن كل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة في متوسط درجة الحرارة العالمية يمكن أن تسبب انخفاضًا في الغلات الزراعية من القمح بنحو 6% والأرز والذرة على قدم المساواة بنحو 3.2%. فعلى سبيل المثال، انخفض متوسط نمو محاصيل الذرة في عام 2020 بنحو تسعة أيام مقارنة بمتوسط 30 عامًا بين 1981-2010. قد تؤدي أحداث الحرارة الشديدة أيضًا إلى تعطيل نمو النباتات في الأوقات المعتادة.

• قصف ميناء أوديسا: هاجمت روسيا ميناء أوديسا عقب أيام من انسحابها من اتفاقية الحبوب في ضربة أسفرت عن إتلاف أكثر من 60 ألف طن من الحبوب، ولهذا تعهدت أوكرانيا بتكثيف جهودها لاستهداف السفن الحربية الروسية من خلال العمل على توسيع أسطولها من الطائرات بدون طيار التي تستخدمها لمهاجمة أسطول البحر الأسود الروسي. ويعتبر الهجوم على ميناء أوديسا مهددًا جديدًا لاستقرار صادرات الحبوب نظرًا لأن 65% من إجمالي التجارة الأوكرانية يتم عبر مياهه، كما يرتبط الميناء بشبكة سكك الحديد الوطنية التي توفر نقلًا سريعًا للبضائع من الميناء إلى الأسواق.

انعكاسات مقلقة
أرسلت العوامل سالفة الذكر إشارات سلبية للأسواق العالمية، حيث عززت المخاوف الخاصة بتفاقم مشكلات الأمن الغذائي العالمي خاصة في الأسواق الأكثر هشاشة، وهو ما يُمكن استعراضه على النحو الآتي:

• تفاقم الموجة التضخمية العالمية: أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” أن مؤشر أسعار الأرز ارتفع بنسبة 2.8% خلال يوليو 2023 على أساس شهري ليبلغ أعلى مستوياته في نحو 12 عامًا عند 129.7 نقطة، مرتفعًا بنحو 20% على أساس سنوي في ظل قفزة الأسعار التي تشهدها الدول المصدرة الرئيسية. وبشكل عام ارتفع مؤشر أسعار الأغذية العالمية من أدنى مستوياته في عامين، ماحيًا بعض المكاسب التي حققها بالشهور الماضية، حيث بلغ متوسط المؤشر نحو 123.9 نقطة بزيادة تبلغ نحو 1.5 نقطة مقارنة بالشهر السابق.
ومن شأن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية أن يصب المزيد من الوقود على معدلات التضخم المرتفعة بالفعل بسبب ارتفاع أسعار كافة مدخلات الإنتاج وكافة السلع الأساسية وهو ما يؤثر على أسعار صرف العملات المحلية ويزيد من تآكل القوة الشرائية للنقود خاصة للفئات الأكثر فقرًا.

• تأثر الاقتصادات الهشة: تُعد الاقتصادات الهشة المستوردة للغذاء هي الأكثر عرضة للتأثر بمخاطر انعدام الأمن الغذائي حيث يعيش نحو 80% من سكان العالم تحت مخاطر تلف المحاصيل الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، وهو ما يؤثر على معدلات الفقر والجوع العالمية. ويقدر برنامج الأغذية العالمي بأن أكثر من 345 مليون شخص عبر العالم سيواجهون مستويات أزمة انعدام الأمن الغذائي في عام 2023، بزيادة قدرها 200 مليون شخص تقريبًا منذ أوائل عام 2020، ومن بين هؤلاء هناك 43 مليونًا على وشك المعاناة من المجاعات.

• عدم الاستقرار السياسي: يُمكن أن تؤدي الضغوط المتزايدة الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة معدلات الجوع إلى اضطرابات سياسية واجتماعية حيث يُعد السخط الشعبي جراء ارتفاع أسعار الخبز حافزًا رئيسيًّا للاحتجاجات والاضطرابات الشعبية في غالبية الدول النامية؛ إذ يلقي المواطنون باللوم على الحكومات بسبب عدم قدرتها على ضمان الأمن الغذائي.

حاصل القول إنه في حالة عدم تحييد العوامل السياسية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن الغذائي وفي حالة عدم أخذ الدول المتقدمة والمصدرة للغذاء “أثر الفراشة” في الاعتبار، فإن ذلك سيحد من قدرة الدول النامية والمستوردة على تأمين احتياجاتها من الحبوب والسلع الأساسية، مما سيفاقم من اضطراباتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

بسنت جمال - باحثة بوحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة


موضوعات أخرى من: الأمن الغذائي - دولي

منع وقوع مجاعة وانتشار الأمراض الفتاكة في غزة يتطلب إمكانية وصول أسرع وأكثر أمناً للمساعدات وتوفير عدد أكبر من مسارات الإمدادات

يونيسيف
2024-01-16

قالت المديرة التنفيذية لليونيسف، السيدة كاثرين راسل، "يحتاج الأطفال المعرضون لخطر كبير بالوفاة من جراء سوء التغذية والأمراض حاجة ماسة للعلاج الطبي والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، إلا أن الظروف على الأرض لا تسمح لنا بالوصول الآمن إلى الأطفال والأسر المحتاجين. وتظل بعض المواد التي نحتاجها بشدة لإصلاح شبكة المياه وزيادة إمداداتها ممنوعة من دخول غزة. إن حياة الأطفال وأسرهم في الميزان هنا، وكل دقيقة مهمة".

لقاء وزير الزراعة السوري المهندس محمد حسان قطنا مع نائب المدير التنفيذي ومدير العمليات في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، كارل سكاو.

وزارة الزراعة
2023-08-02

أكد الوزير على نقطتين أساسيتين للتدخل في المجال الزراعي، تتعلق الأولى بإعادة الإعمار للبنى التحتية للري لتمكين العودة الطوعية للسكان إلى المناطق التي غادروها خلال الأزمة، والثانية توفير مصادر الطاقة ومستلزمات الإنتاج الزراعي لتمكين عمليات الإنتاج.
ودعا الوزير نائب مدير البرنامج لزيارة سورية قريباً للاطلاع على الواقع وتقدير حجم الدعم المطلوب، ومن جهته بين نائب مديرة البرنامج ترحيبه بعقد الزيارة.

بمشاركة سورية... لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الاسكوا" بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الزراعية ومنظمات دولية أخرى تعقد جلسة خاصة ضمن فعاليات قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية المقامة في العاصمة الإيطالية روما

وزارة الزراعة
2023-07-25

بين المشاركون أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه الأزمات، وتراجع النظم الغذائية وتعطيل إنتاج الغذاء وتوزيعه، وزيادة انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات الهجرة غير الطوعية وازدياد الضغط على الموارد.

122 مليون شخص إضافي إلى هوة الجوع

منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة
2023-07-18

كشف تقرير أعدته الأمم المتحدة أنّ الأزمات المتعددة دفعت 122 مليون شخص إضافي إلى هوة الجوع منذ عام 2019

إشكاليات الأمن الغذائي والمائي العربي.. هل تجد حلولًا في قمة جدة؟

أخبار دولية حول الأمن الفذائي
2023-05-18

"إن الأمن المائي والأمن الغذائي وجهان لعملة واحدة، وكلنا مسؤولون عن تأمين المياه النظيفة لكل البشر وترشيد استخدامها بحسب قوانين الأمم المتحدة"، قال نصر الدين العبيد، مدير المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"، مشيرًا إلى أن الدول العربية بحاجة سنويًا إلى 420 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، إلا أنه لا يتوفر إلا 260 مليار سنويًا، فلا بد من البحث عن تقنيات أخرى.

الامن الغذائي العربي

أخبار دولية حول الأمن الفذائي
2023-05-18

بحسب الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، فإن المساحة الإجمالية للعالم العربي تصل إلى حوالي 14 مليون كيلومتر مربع، ما يُمثل حوالي 10.2٪ من مساحة العالم. وتُقدر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بحوالي 200 مليون هكتار، أي ما يُعادل 14.1٪ من إجمالي مساحة الوطن العربي، لكن الدول العربية تستغل 5٪ فقط من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
كما أن شح المياه، يعتبر عاملًا مؤثرًا في تهديد الأمن الغذائي، إذ حسب الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المُتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، يفتقر ما يُقارب 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية، ويعيش 390 مليون شخص في المنطقة -أي ما يقرب من 90 في المئة من إجمالي عدد السكان- في بلدان تُعاني من ندرة المياه.

2022: عام من الجوع غير المسبوق - تقارير دولية حول الأمن الفذائي

المغذيات زهيدة المقدار - أخبار دولية حول الأمن الفذائي

سوء التغذية - أخبار دولية حول الأمن الفذائي

تسويق وتوسيم الأغذية - أخبار دولية حول الأمن الفذائي

رصد التغذية والترصد - أخبار دولية حول الأمن الفذائي

الغذاء - تقارير دولية حول الأمن الفذائي

آخر المواضيع التي تم نشرها

منظمة الأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا تحدد أولويات العمل للعامين المقبلين

مكتب منظمة الأغذية والزراعة الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا
2024-02-08

الأمم المتحدة: خطر “مجاعة وشيكة” في قطاع غزة

صحيفة القدس العربي - وكالات
2024-01-25

الدورة 112 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي العربي في القاهرة

وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية
2023-08-31